في الأربع وعشرين ساعة التي أعقبت محاولة الانقلاب الذي كان يرمي للإطاحة بحكومتي في الحادي عشر من إبريل من عام 2002، توقعت أن يتم إعدامي من قبل من قاموا بذلك الانقلاب في أي وقت.
في ذلك الوقت، قال قادة الانقلاب للشعب الفنزويلي وللعالم بأسره إنه لم تتم الإطاحة بي، وأنني قد تقدمت باستقالتي. لم يكن هذا صحيحا بالطبع.. ولكن قيامهم بذلك، والكذب على فنزويلا والعالم بأسره، جعلني أقول لنفسي ما الذي يحول بين هؤلاء الضباط وبين القيام بسحب مسدساتهم وإطلاق رصاصاتهم على رأسي، ثم الزعم بعد ذلك أنني قد أقدمت على الانتحار.
طبعا لم يحدث هذا كما نعرف جميعا، وإنما حدث شيء آخر لم يكن متوقعا على الإطلاق. ذلك الشيء هو أن الحقيقة المتعلقة بالانقلاب قد تسربت وخرجت إلى الشعب الفنزويلي والعالم.. وأن الملايين من أبناء الشعب الفنزويلي قد خرجوا على أثر ذلك إلى الشوارع للتظاهر ضد الانقلاب والمطالبة بعودتي. وقد أدت المظاهرات والاحتجاجات التي قام بها أبناء الشعب الفنزويلي في ذلك الوقت، إلى تشجيع العناصر الموالية للديمقراطية داخل القوات المسلحة، على القضاء على الانقلاب القصير الذي قامت به قوى الديكتاتورية، التي كان يوجهها قائد قطاع الأعمال في فنزويلا المدعو ( بيدرو كارمونا).
إذن يمكن القول إن الحقائق التي خرجت عن طبيعة الانقلاب، ونوعية الأشخاص القائمين به، هي التي ساهمت في إنقاذ حياتي في ذلك الوقت، كما ساهمت أيضا في إنقاذ ما هو أهم من حياتي وهو الديمقراطية الفنزويلية. بيد أن ما أود أن أقوله في هذا السياق، هو أن تلك التجربة التي مررت بها والتي كنت فيها قاب قوسين أو أدنى من الموت، قد غيرتني تماما، بل وأود أن أقول أيضا إنها قد غيرت مصير بلادي.
إن الانقسامات السياسية في فنزويلا لم تبدأ مع انتخابي رئيسا للبلاد عام 1998 كما يزعم البعض زورا وبهتانا. فالحقيقة التي يعرفها الجميع أن بلادي كانت منقسمة على نفسها اقتصاديا واجتماعيا طوال تاريخها. وعلى رغم أن فنزويلا تعتبر واحدة من كبريات الدول المصدرة للنفط - رابع أكبر مورد للنفط الخام إلى الولايات المتحدة الأميركية- إلا أن الغالبية العظمى من الفنزويليين لازالت حتى الآن غارقة في مستنقع الفقر، وغير قادرة على الخروج منه.
إن ما أغضب خصومي.. ومعظمهم كما نعرف ينتمون إلى الطبقات العليا في المجتمع الفنزويلي التي تعيش حياة الرفاهية والرغد.. ليس هو فقر وشقاء فنزويلا الدائم، ولا عدم العدالة السائدة فيها. لم يكن هذا هو ما أغضبهم.. وإنما الذي أغضبهم هو أنني كنت أريد القيام باقتطاع جزء من عوائد ثروتنا النفطية لتحسين حياة أبناء الشعب الفنزويلي، وإنقاذهم من براثن الفقر والحرمان.
لقد قامت حكومتي خلال السنوات الست السابقة بمضاعفة المخصصات التي تقوم بإنفاقها على خدمات العناية الصحية، كما قامت كذلك بمضاعفة ميزانية قطاع التعليم في البلاد بمقدار ثلاث مرات. ونتج عن ذلك أن معدل وفيات الأطفال في البلاد قد انخفض، وأن متوسط العمر المتوقع للرجال والنساء قد ازداد، كما انخفضت أيضا نسبة الأمية.
وبعد أن فشل الانقلاب الذي دبره خصومي في النيل مني، وبعد أن فشلت بعد ذلك كافة المحاولات التي بذلوها لإجباري على الخروج من الحكم.. قام هؤلاء الخصوم بإغلاق شركة النفط الحكومية العاملة في البلاد العام الماضي. واليوم نراهم يحاولون جمع توقيعات تكفي لإرغامي على إجراء استفتاء على حكمي، مستغلين في ذلك حقيقة أن الدستور الفنزويلي الذي تمت إعادة صياغته والموافقة عليه من قبل أغلبية الناخبين عام 1999، هو الدستور الوحيد في نصف الكرة الغربي كله الذي يسمح بإجراء استفتاء على حكم الرئيس.
بيد أنه يتعين علي الإشارة في هذا السياق إلى أن المجلس الانتخابي الوطني الفنزويلي – وهو مجلس مستقل يعادل في درجة استقلاليته مجلس الانتخابات الفيدرالي في الولايات المتحدة الأميركية، قد وجد أن 375 ألف توقيع من بين التوقيعات التي قام المعارضون لحكمي بجمعها، هي في الحقيقة توقيعات مزورة، وأن 800 ألف توقيع آخر قد تمت كتابتها بخط متشابه.
ونظرا إلى أنني كنت قد انتخبت مرتين كرئيس بأغلبية كبيرة وفي أقل من ست سنوات، فإنني أجد أنه من السخرية البالغة أن يتم توجيه اتهامات لي بالتصرف بطرق غير ديمقراطية، من قبل العديد من الأشخاص الذين كانوا هم أنفسهم متورطين في محاولة الإطاحة بحكومتي بشكل غير قانوني.
وأود أن أذكر في هذا السياق أن المجلس الانتخابي الوطني في فنزويلا قد قام بدعوة ممثلين من (منظمة الدول الأميركية)، ومن (مركز كارتر) في الولايات المتحدة، للقيام بمراقبة، والإشراف على، عملية التحقق من صحة التوقيعات التي قام المعارضون لي بجمعها، والتي ستتم خلال الأربعة أيام الأخيرة من الشهر الحالي. وهذه العملية هي التي ستقرر ما إذا كانت المعارضة قد قامت بجمع العدد الكافي من التوقيعات الصحيحة – وهذا أمر سيقرره المجلس- بما يكفي للدعوة لإجراء استفتاء على حكمي يفترض أنه سيتم عقده في شهر أغسطس المقبل